#1
|
||||||
|
||||||
حقوق الكبار
مَراحِلُ حَياةِ الإِنسانِ قُوةٌ بَينَ ضَعْفَيْنِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ -تَعالَى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الروم:54]. فَكَانَ من مَكَارِمِ الإسلامِ التي كَفَلَهَا ودَعَا إليهَا: مُراعَاةُ قَدْرِ كِبارِ السِّنِّ، ومَعرفةُ حَقِّهِمْ، وحِفظُ وَاجِبِهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، ومَعرفَةُ مَا لَهم مِن حُقُوقٍ ووَاجِبَاتٍ. تَقُولُ أُمُّنَا عَائِشَةُ -رضي اللهُ عنها-: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ". وَلَقَدْ توافرتِ النصوصُ على إكرامِ وبرِّ ذي الشَّيبَةِ الْمُسلمِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ"(حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ). وَقال رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن لَم يَرحمْ صَغِيرنَا، ويَعرف حَق كَبيرِنَا فَليسَ مِنَّا"(رواهُ أبو دَاودَ). لِذا كَانَ حَقّاً على الدُّعاةِ والمُربِّينَ التَّذكيرُ بِعَظِيمِ حَقِّ الكِبَارِ؛ فَإنَّ ذَلِكَ مِن أعظَمِ الحُقُوقِ وَأفْضَلِ القُرُباتِ. وَلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْوَعَ الأمْثِلَةِ قَولاً وَتَطْبِيقاً؛ فَقَدْ أَمَرَ أَئِمَّةَ المَسَاجِدِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاةِ؛ مُرَاعَاةً لِكِبَارِ السِّنِّ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ". وَأخْبَرَ أَنَّ الأَكْبَرَ سِنّاً يُقَدَّمُ فِي الإِمَامَةِ إذَا تَسَاوَوا فِي القُرْآنِ. وَرَخَّصَ لِمَنْ أَدْرَكَهُ الحَجُّ وَهُوَ شَيخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُهُ, أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ. وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَدِّمُ كِبَارَ السِّنِّ في الطَّعَامِ والشَّرَابِ. رَوى ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذا سُقِيَ يَقُولُ: "ابْدَؤُوا بَالكُبَرَاءِ أو بِالأَكَابِرِ". وَجَاءَهُ مَرَّةً عُيينَةُ بنُ حِصْنٍ وَعندَهُ أبُو بَكْرِ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَهُم جُلُوسٌ عَلى الأَرْضِ، فَدَعَا لِعُيينَةَ بِوسَادَةٍ وَأَجْلَسَهُ عَليهَا، وَقَالَ: "إذَا أَتَاكُمْ كَبِيرُ قَومٍ فَأَكْرِمُوهُ". وَمِنْ كَمَالِ شَرِيعَتِنَا الغَرَّاءِ أَنْ جَاءَتْ بِحِفْظِ حَقِّ الْكَبِيرِ حَتَّى مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينِ، فَهَا هُوَ الْفَارُوقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْه وَأَرْضَاهُ- رَأَى شَيْخًا ضَرِيرًا يهُودِيًّا، يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى النَّاسِ، يَطْلُبُ مُسَاعَدَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرٌ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه، وَقَالَ: "وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ"، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ. ألا تَعْلَمُونَ مَعَاشِرَ الآبَاءِ: أنَّكُم كِبارٌ في قُلُوبِنَا, كِبَارٌ في عُيونِنَا, كِبَارٌ بِعظيمِ حَسنَاتِكِم وَفَضلِكم بَعد اللهِ عَلينا، فَلَعَلَّنَا أنْ نُوَفِّيَكُمْ وَلو بَعضَ حَقّكُمْ علينا. فَقَدْ أمَرَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأَنْ يُسَلِّمَ صَغِيرُنَا على الكَبِيرِ مِنْكُمْ إجلالاً لَهُ وَتَقْدِيراً. مِنْ أعْظَمِ الواجِبَاتِ لِكِبَارِ السِّنِّ: طِيبُ مُعَامَلَتِهم, وَحُسْنُ مُخَاطَبَتِهِمْ، وَردُّ أجْمَلِ جَوابٍ لَهُمْ, فَأَلِنْ لَهُمُ الكَلامَ, وَخَاطِبْهُمْ بِعِبَارَاتٍ تَدُّل على عُلُوِّ مَرْتَبَتِهمْ كَقَولِكَ: يَا والدِي، يا عَمِّي. وَأَبْشِرْ فَـ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن:60]. نَسْأَلُ اللهَ طُولَ الْعُمُرِ مَعَ حُسْنِ الْعَمَلِ، كَمَا نَسْأَلُهُ صَحةً فِي قُلُوبِنَا وَصِحَّةً فِي أَبْدَانِنَا وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرٍ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا لأحْسَنِ الأَعْمَالِ والأقْوالِ والأَخْلاقِ. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع محمود الاسكندرانى |
#2
|
||||||
|
||||||
رد: حقوق الكبار
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع waleedaboyasmen |
#3
|
||||||
|
||||||
رد: حقوق الكبار
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع محمود الاسكندرانى |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الكبار, حقوق |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع : حقوق الكبار | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل يكسر ليفاندوفسكي "لعنة الكبار" ضد أتلتيكو مدريد؟ | nadjm | الدورى الاسباني | 3 | 2023/04/25 01:12 PM |
حقوق الزوجين | محمود الاسكندرانى | القسم الاسلامى العام | 2 | 2021/04/25 04:28 PM |