#1
|
||||||
|
||||||
قصة يوم عاشوراء
التذكيرُ بأيام الله الخالِدة، والوقوفُ أمامَها لأخذ العِبرة، وتذكُّر النِّعَم، ورسمِ مناهجِ السَّير لما يُستقبَلُ من الأيام شأنُ كلِّ أوَّابٍ حفيظٍ، وطريقُ الصَّفوة من عباد الله، ودَيدَنُ المُوفَّقين أُولي الألباب. وإن من أعظم أيام الله التي يستقبِلُها المُسلمون: يوم عاشوراء، ذلك اليومُ الصالحُ الذي يُذكِّرُ الله فيه أهلَ الإيمان بنعمةٍ من أجلِّ نعمِه، وأعمقِها أثرًا، وأعظمها دلالةً، تلك هي: نعمةُ إنجاء موسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين، وإغراق الطاغية فرعون وحِزبه وجنوده: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) [الفجر: 11، 12]، حين استكبَروا في الأرض بغير الحقِّ، ونفَوا القيامة، وأنكَروا المعاد، وبلغ بفرعون عُتُوُّه وعلُوُّه وإسرافُه واستِكبارُه أن قال لقومه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، وقال لهم أيضًا: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24]. فقصَّ الله خبرَه في كتابٍ يُتلَى ليكون عِبرةَ الأبد، وعِظةَ الأيام، فقال -سبحانه-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 52- 68]. ويبسُطُ الإمامُ الحافظُ ابن كثيرٍ مدلولَ هذه الآيات العظيمة فيقول: "لما طالَ مقام موسى -عليه السلام- ببلاد مصر وأقام بها حُجَجَ الله وبراهينَه على فرعون وملَئِه، وهم مع ذلك يُكابِرون ويُعانِدون لم يبقَ لهم إلا العذابُ والنَّكال، فأمرَ الله موسى -عليه السلام- أن يخرُج ببني إسرائيل ليلاً من مصر، وأن يمضِيَ بهم حيث يُؤمَر، ففعل موسى -عليه السلام- ما أمرَه به ربُّه -عز وجل-، وخرجَ بهم بعد ما استعارُوا من قوم فرعون حُلِيًّا كثيرًا. وكان خروجُه بهم -فيما ذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين- وقتَ طلوع القمر، فلما أصبحَ قومُ فرعون وليس في نادِيهم داعٍ ولا مُجيبٌ، غاظَ ذلك فرعون واشتدَّ غضبُه على بني إسرائيل لما يُريدُ الله به من الدَّمار، فأرسلَ سريعًا في بلاده من يحصُرُ الجُندَ ويجمعُه، ونادى فيهم قائلاً: إن بني إسرائيل طائفةٌ قليلةٌ، وفي كل وقتٍ يصِلُ لنا منهم ما يغيظُنا، ونحن لذلك نحذَرُ منهم، ونُريدُ أن نستأصِلَ شأفتَهم. فجُوزِيَ في نفسِه وجُنده بما أراد لهم، فخرجوا من النعيم الذي كانوا فيه، وتركوا تلك المنازِلَ العالية والبساتين والأنهارَ والأموالَ والأرزاقَ والمُلكَ والجاهَ الوافِرَ في الدنيا، كما قال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف: 137]. وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أن فرعون خرجَ في محفلٍ عظيمٍ وجمعٍ كبيرٍ من أُولِي الحلِّ والعقد والدول من الأُمراء والوزراء والكُبراء والرُّؤساء والجُنود، فوَصَلوا إليهم عند شروق الشمس، فلما رأى كلٌّ من الفريقَيْن صاحبَه فعند ذلك قال أصحابُ موسى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61]، فقال لهم موسى -عليه السلام-: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62]؛ أي: لا يصِلُ إليكم شيءٌ مما تحذَرون؛ فإن الله -سبحانه- هو الذي أمرَني أن أسيرَ ها هُنا بكم، وهو -سبحانه- لا يُخلِفُ الميعاد. وكان هارون -عليه السلام- ومعه يُوشعُ بن نون ومؤمنُ آل فرعون، وموسى -عليه السلام- في السَّاقَة؛ أي: في المُؤخِّرة. وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أنهم وقَفوا لا يدرُون ما يصنَعون، وجعلَ يُوشعُ بن نُون أو مُؤمنُ آل فرعون يقول لموسى -عليه السلام-: يا نبيَّ الله: ها هُنا أمرَك الله أن تسيرَ؟! فيقول: نعم. واقتربَ فرعونُ وجنودُه ولم يبقَ إلا القليل، فعند ذلك أمرَ الله نبيَّه موسى أن يضرِبَ بعصاه البحر، فضربَه وقال: انفلِق بإذن الله: (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63]؛ أي: كالجبل الكبير. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: صار البحرُ اثنَيْ عشر طريقًا لكلِّ سِبطٍ طريقٌ، وبعثَ الله الرِّيحَ إلى قعر البحر، فلفحَته فصار يَبَسًا كوجه الأرض، قال الله تعالى: (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى) [طه: 77]. وقال في هذه القصة: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ) [الشعراء: 64]؛ أي: قرَّبنا من البحر هُنالك فرعون وجُنودَه وأدنيناه إليه، وأنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتَّبَعهم على دينهم، فلم يهلِك منهم أحدٌ، وأغرقَ فرعونَ وجُنودَه فلم يبقَ منهم رجلٌ إلا هلَك. اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع محمود الاسكندرانى |
#2
|
||||||
|
||||||
رد: قصة يوم عاشوراء
تسلم
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع مختار |
#3
|
||||||
|
||||||
رد: قصة يوم عاشوراء
----------------------------
مشاهدةجميع مواضيع مختار |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
دوم, عاشوراء, قصة |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع : قصة يوم عاشوراء | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قناة عاشوراء على Eutelsat 8 West B 8 West | خالد | ترددات الأقمار الصناعية و القنوات الفضائية | 0 | 2020/12/17 09:24 AM |